عطية علي رفيع أبو غليون

بقلم: عطية علي رفيع أبو غليون

كتب لي أن أرى النور في خربة أبو غليون عام 1932م وما إن بلغت السابعة من عمري حتى التحقت بمدرسة أبو غليون؛ لأتم فيها الصف الرابع الابتدائي عام 1944م لأنتقل بعدها لمدرسة بئر السبع الجناح الليلي، والتي كانت تشترط أن يكون الطالب من أبناء العشائر القاطنيين خارج المدينة، وأن يلبس ثوباً وكبراً وسراويلَ وحطةً وعقالاً وعباءه ، و كنا نبيت في المدرسة نفسها، حيث تقدم لنا ثلاث وجبات يومياً، وقدر لي أن أدرس فيها أربع سنوات إلى أن حلت النكبة عام 1948م، إذ أنهيت الصف الأول ثانوي ، وأذكر أن المدرسة كانت تضم أكثر من (500) طالب، أذكر منهم الزملاء (أحمد عبد الله أبو الحاج، ومنصور قاسم أبو صعيليك، يوسف سليمان أبو غليون، ضيف الله مرزق أبو صعيليك، إبراهيم سليمان أبو غليون، ومحمد أبو سنيمه وأبو أربيعة) وكان فيها عشرة مدرسين أذكر منهم (عبد الله الخطيب “مديراً وأصبح عضو في مجلس الأعيان الأردني”، نصري قمصية، محمد عبد الهادي ، خلوصي خيال ، ومحمد برزق) وأذكر أن المعلمين أحضروا بندقية سلموها لكبار الطلاب من أجل تناوب الحراسة لحراسة المدرسة من الصهاينة، وفي حادث مؤلم خرجت رصاصة أدت إلى مقتل أحد الطلاب من عشيرة أبو أربيعة. 

عندما حلت النكبة صمدنا في الأرض وأصبحنا تحت الحكم الصهيوني، وقام اليهود بمصادرة الأسلحة الشخصية المتوفرة جميعها لدى أبناء العشائر، ومما يؤسف له ان بعض أبناء عشائر السبع التي أصبحت تحت الحكم المصري، رأت أن بقاء وصمود العشائر الأخرى ومن ضمنها الجراوين على أرضهم هو بمثابة خيانة، وعليه كانوا يتسللون ليلاً إلى عربان الجراوين ويقومون بأعمال السلب والنهب والقتل، حيث استشهد على إثر ذلك جدي الحاج رفيع أبو غليون في شهر كانون الثاني عام 1950م، وكذلك حسن أبو غنيم، ومسلم أبو راضي وجرحى كثيرون منهم: محمود سليم أبو العرج، وجازية سلام أبو عويظه، وسالمة عويضة وآخرين، وعلى إثر هذه الأحداث المؤسفة اضطرت عشائر الجراوين إلى الهجرة إلى الأردن في عام 1951م. 

وتمر الأيام بقسوة على الجميع إلى أن التحقت بشرطة البادية الأردنية في 20،8،1951 م تحت رقم 3028 حيث خدمت معظم مخافر البادية في المملكة، وأذكر أنه في عام 1952 م وبينما كنت في مخفر أم الجمال، إذ حضر لاندروفر كان يقوده العسكري محمد زنون أبو يحيى، وما إن توقف حتى ترجل منه ثلاثة أشخاص بزي بدوي، وإذ بهم الشيخ حماد أبو غليون، والشيخ قاسم أبو صعيليك، والشيخ عطية أبو يحيى وعليهم إثر التعب والإرهاق، وبعد أن قمت بواجب الضيافة نحوهم، سألتهم عن سبب مجيئهم للصحراء فقالوا لي أنهم قاموا بجولة في مناطق مختلفة من البادية الأردنية (اكتيفة ، الونانات ، الحلابات إلخ) وذلك بناءً على طلب كلوب باشا لغايات اختيار موقع سكن لأبناء عشائر الجراوين، وقالوا لي بأنهم لن يقبلوا بأي منها لأن الأمل يحذوهم للعودة لفلسطين. وفي محطة هامة خدمت في منطقة الجفر في المقاطعة مدة (7) سنوات حيث كنت أعمل بوظيفة كاتب المقاطعة وكان قائدها المرحوم الملازم حماد سالم الهقيش / أبو مطيع وكان هناك عدد من المساجين السياسين تحت حراسة المقاطعة (وأتيحت لي الفرصة لمعرفة بعضهم أذكر منهم الدكتور المرحوم منيف الرزاز، والمرحوم عبد الله الريماوي، والمرحوم الصيدلاني أمين شقير والمرحوم عبد الله نعواس، والمرحوم الدكتور عبد الرحيم بدر، والمرحوم عبد العزيز العطي، و فؤاد نصار . 

وفي 6/10/1958م،  نقلت إلى مديرية شرطة البادية في عمان، وكان قائدها المرحوم الشريف محمد هاشم أبو هاشم، ومساعده المرحوم المقدم محمد الصايغ، حيث استمريت بالعمل فيها، وفي عام 1961م وقع اختيار قائد البادية المرحوم أبو هاشم عليًّ لأن أقوم بمرافقة شركة هورايزن بكتشرز الإنجليزية التي تعمل على إنتاج فيلم سينمائي بخصوص لورنس العرب، وكان دوري هو تسهيل عمل المنتج والمخرج والممثلين مع البدو، وأذكر أنه تم استئجار ألف هجان، وأكثرهم خيالة من أبناء البدو للمشاركة في هذا العمل، حيث ابتدأ من العقبة ثم القويره ثم رم، حيث قاموا بعمل مجرى سكة حديد (لغايات التمثيل) ويقع غرباً من مخفر رم، ثم انتقلنا إلى الطبيق، ثم ارتحلوا إلى إيطاليا وأنهوا الفيلم هناك، واستغرق عملي معهم نحو ستة أشهر، وقد تعرفت على معظم الممثلين، وأذكر منهم عمر الشريف وفاتن حمامه وجيرمي تايلر علماً أن الذي قام بدور الشيخ المرحوم عودة أبو تاية الممثل عمر الشريف، وأذكر في حادثة طريفه بينما كان رجل يدعى هويشل مطلق يتكلم مع الممثلة فاتن حمامة تكلم معه زوجها الممثل عمر الشريف بقوله يا هويشل نحن عرب مثلكم ونغار على العرض وهذه زوجتي.

 

 (هناك صورة تذكارية مع بعض الممثلين مرفقة أدناه)

 

وبعد مغادرة الشركة الإنجليزية عدت للعمل في قيادة البادية الأردنية بعمان، وفي عام 1967م تم ترقيتي إلى رتبة ضابط عشائر البادية، وكان ممن خدم معي في تلك الفتره كل من المرحومين محمد ابراهيم الهرش، وخالد ناصر الحموان البدارين، وحمدان حمد الصانع، وضيف الله حمد الصانع، وحمدان إبراهيم الصانع، وسليمان إبراهيم الصانع، وعودة أحمد الصانع . وأذكر المرحوم أحمد السعد الحمود سكرتير مدير الأمن العام لشؤون العشائر، وكنا على علاقه معه في الأمور التي تخص العشائر، كما وأنه في تلك الفترة قدم عندنا الشريف فواز زبن مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر، وتسلم أعمالاً كثيرة تخص العشائر، كما وأنني أذكر في تلك الحقبة من الزمن تناوب الكثير من الضباط على قيادة البادية منهم: المرحوم نايف الفايز، وبركات الخريشا، وعبد الله سليمان السعدون، وآخرين يرحمهم الله جميعاً، وبقيت في العمل لنهاية عام 1970 م حيث تقاعدت بناء على رغبتي بعد وساطة من المرحوم الشيخ نايف الخريشا، وفاتني أن أذكر المرحوم فيصل حمد الجازي، وكذلك المرحوم عنبر دهش. 

وقد كان لي الشرف أثناء خدمتي كضابط للعشائر أن أكون وزملائي سبباً في إصلاح ذات البين، وحل المشكلات والخصومات. 

 وقد سررت كثيراً عندما أهدي إلي كتاب (الجرائم الصغرى عند العشائر الأردنية) للدكتور أحمد عويدي العبادي (دار الفكر للنشر والتوزيع) والذي يسلط الضوء على القضايا والمشكلات التي كانت تحصل ما بين البدو وكنت أنا وزملائي مكلفين بحلها، حيث إن الكتاب يحتوي غيضاً من فيض كإقتباس من ملفات شرطة البادية في تلك الفتره والتي بقيت رسومنا وكتاباتنا كشواهد عليها.

وبعد ان تم احالتي على التقاعد في نهاية عام 1970 وفي منطقة صحراويه نائيه غير مستغله من قبل ولا تصلها طرق معبدة  تسمى الدغيلة وتبعد عن الازرق حوالي 25 كم كنت قد بدأت باستصلاحها بامكانيات متواضعة عام  1966 تفرغت للعمل في الزراعة وقمت بحفر اول بئر ماء ارتوازي في المنطقة وذلك بعمق 40 متر تقريبا وانشأت مزرعة تنتج الخضار وتعيل عشرات العائلات التي تعمل فيها .

 

      ومن الجدير ذكره ان المزرعة التي قمت بتأسيسها كانت هي المعلم الاول والوحيد في المنطقة في تلك الايام حتى ان فرق المساحة التي ارسلت من قبل دائرة الاراضي لمسح المنطقة اطلقت اسم ابو غليون على الحوض رقم 25 والحوض رقم 26 من اراضي الازرق ، وعلى الرغم من عدم توفر جدوى اقتصادية لهذا العمل الا انني قدرت ان توفير فرصة العمل في مزرعتي لعدد من العائلات هو اكبر جدوى ممكن ان اقدمها لبلدي  واستمريت في هذا العمل الى عام 1985 حيث انقطعت ولزمت البيت وتفرغت للعبادة ،  ونسأل الله حسن الختام .